لا شك ان جوهر الصراع العالمي هو صراع علمي وتعليمي في المقام الاول وسباق محموم في مجالات البحث والتطوير .. ومن يمتلك جيش من العلماء وترسانة علمية ضاربة هو من سيحقق التفوق الساحق في العصر المعرفي .
وفي هذا الاتجاه تواجه العملية التعليمية في الوطن العربي تحديات بالغة التعقيد وتحتاج الى توجهات وفلسفة جديدة خاصة بها حيث ينطوي عصر المعلومات على العديد من التحديات التربوية والثقافية والاقتصادية والسياسة العلمية والتكنولوجية والتي لن نستطيع تجاوزها مالم تكن لدينا قناعة تامة بان التعليم هو الركيزة الاساسية لبلوغ مرحلة متقدمة من التطور والرقي الذي يأتي في سياق رؤية استراتيجية لتفعيل دور المؤسسات التعليمية والجامعية ومراكز البحث العلمي وتحويلها الى مراكز اشعاع علمي وحضاري وتعلي من شأن الثقافة العلمية باتجاه تحقيق النهوض الشامل بالمجتمع العربي عقلاً وانجازاً .. بما يكفل مواجهة تحديات القرن الـ 21 والذي ولجته الامة العربية وهي مثقلة بنحو سبعين مليون أُمي معظمهم من النساء ناهيك عن أمية ثقافية تصيب 80%% من مجمل السكان وأمية تكنولوجية تصيب نحو 8% من الذين تزيد اعمارهم عن 15 عام .
إن هذه الارقام والمؤشرات تحمل دلالة واضحة على حجم التخلف العلمي والتعليمي الذي يثقل كاهل امتنا العربية , وخطورة هذا العائق على نهوضها وتحررها من التخلف والفقر والمرض .. الامر الذي يستدعي بداية اعادة النظر بشكل استراتيجي في السياسة التعليمية واجراء اصلاح جذري للمؤسسات التعليمية واعتماد اسس جديدة وحديثة لاختيار وتخطيط بناء المناهج والمحتوى الدراسي واساليب التعامل مع المعرفة من حيث طرق وآليات تدريسها والتوجه الى تعليمهم انماط التفكير واساليب الوصول الى المعرفة والتعامل معها بعيد عن عملية الحشو والتلقين المقيتة .
كذلك هناك إشكالية اخرى ذات صلة ولا تقل اهمية عن سابقتها وهي تدني مستوى البحث العلمي العربي النظري والتطبيقي وذلك ناشئ عن قصور العملية التعليمية ويمكن الاشاره هنا الى بعض الارقام والحقائق التي تعكس واقع مزري لحالة البحث العلمي في الوطن العربي .. فيما يخصص للبحث العلمي في الوطن العربي اجمالاً لا يشكل واحد من عشر في المائة من اجمالي الدخل القومي بينما ما تخصصه شركة امريكية معينة يعادل ميزانية خمسين جامعة عربية ولو القينا نظرة خاطفة على المجتمعات والدول الاكثر تطورا لوجدنا انها الاكثر اهتماما وانفاقا على مؤسسات التعليم والبحث العلمي حيث خصصت اليابان 370 مليار دولار للابحات والتطوير التي تقع ضمنها التربية والتعليم وتسبقها الولايات المتحدة التي خصصت حوالي 400 مليار دولار للهدف والغاية نفسها وهما بذلك حققا التفوق والتقدم في مختلف جوانب الحياة ومن تلك المعطيات يمكن ان نستنتج حقيقة مفادها ان اكل تغيير وتطور ونهوض تنشده الدول والمجتمعات لن يتأتي الا من خلال بوابة التعليم ولن تحدث اي نقلة نوعية في مضمار التكنولوجيا مالم يكن هناك بالدرجة الاولى نقلة جوهرية في البنية التربوية والتعليمية وزيادة كفاءة وفعالية نظم التعليم ومالم تضع الدول والحكومات التعليم في اولويه برامجها وخططها تستشعر الاهمية البالغة للتعليم كخيار وحيد للتقدم الحقيقي ومواكبة عصر يتميز بالتطور المتسارع والتغير المستمر .
وهكذا وبايجاز شديد فان اي نظام تعليمي يتجاهل المستجدات والتغييرات التي تشكل الغد هو نظام يكرس الجهل والتخلف الحضاري ويدفع بمعتنقيه الى الاضمحلال والانقراض شيئا فشيئا خارج سياق العصر .
كتبها / المهندس | يحيى محمد المطري مدير تحرير مجلة التكنولوجيا في العدد 106







اترك تعليقك على الموضوع